أدمغتنا آلات رائعة، فهي تمكننا من استيعاب الاقتصاد، والفيزياء، والكيمياء، وعدد كبير جداً من المواضيع الأخرى، غير أنها أكثر من مجرد مخازن للمعرفة. فهي تحوي كل ذكرياتنا، وصداقاتنا، وأحلامنا، أي كامل ماهيتنا الحالية والمستقبلية. باختصار، تحوي أدمغتنا على هويتنا وكل ما يحتمل أن يصدر عنها.
من ناحية أخرى - وللأسف - فنحن لا نعرف سوى القليل عن الدماغ البشري.
يمكن لأمراض مثل الزهايمر أن تجردنا من ذكرياتنا، وتجعلنا نخسر ذاتنا، كما يمكن لحالات مثل الشلل الارتعاشي "باركنسون" أن تأخذ منا استقلاليتنا وحريتنا. يؤثر هذان المرضان معاً على أكثر من 56 مليون شخص في العالم، بغض النظر عن آلاف الأمراض الأخرى.
غير أننا قادرون على التعامل مع هذا الوضع. فقد أعلن بريان جونسون- مؤسس براين تري - اليوم، أنه سيستثمر 100 مليون دولار أمريكي لإطلاق قدرات الدماغ البشري، وجعل شيفرتنا العصبونية قابلة للبرمجة.
فك رموز الدماغ البشري
تعمل شركة جونسون، كيرنيل، على صنع أول عصبون اصطناعي في العالم، بحيث نستطيع باستخدامه محاكاة قدراتنا الإدراكية، وإصلاحها، وتحسينها. بعبارة أخرى، تحاول هذه الشركة أن تصنع حواسيب لأدمغتنا، وستقوم هذه الـ "حواسيب" بتعزيز قدراتنا حتى نتمكن من مجاراة أنظمة الذكاء الاصطناعي "حتى لا تحكمنا الروبوتات يوماً ما" إضافة إلى معالجة الأمراض العصبية.
يقول جونسون: "إن صلتنا مع اختراعاتنا الذكية الجديدة محدودة بالشاشات، ولوحات المفاتيح، والواجهات الإيمائية، والأوامر الصوتية، وكلها أشكال مقيدة للدخل والخرج. إننا لا نستطيع استخدام أدمغتنا بكامل طاقتها، ما يحد من قدرتنا على مجاراة الآلات السيليكونية الأساس في التطور بشكل جيد." يعمل جونسون على تغيير ذلك، وضمان وجود واجهة انسيابية العمل مع تقنياتنا وذكائنا الاصطناعي.
أصبحت بنيتنا الحية وجيناتنا قابلة للبرمجة بشكل متزايد، وكذلك ستصبح شيفرتنا العصبونية.
غير أن هذه ليست سوى البداية، فقد تمكّننا تطورات كهذه من تطبيق برمجة حرفية على شيفرتنا العصبونية، مما يؤدي إلى تحولات تعتبر حالياً مستحيلة. سنتمكن حرفياً من برمجة أنفسنا لنصبح من نريد.
قد يبدو هذا شيئاً من الخيال العلمي، غير أنه مبني على عمل علمي مثير للإعجاب.
باختصار، تعمل هذه الأدوات - والتي هي حالياً قيد التطوير - على محاكاة طريقة تواصل خلايانا الدماغية مع بعضها. ولكن بالطبع، سيستغرق هذا العمل الطبي سنوات حتى يكتمل، حيث يجب أن نفهم كيف تعمل أدمغتنا قبل أن نتمكن من برمجتها.
نتيجة لهذا، فإن الخطوة الأولى في هذه العملية هي فك رموز الدماغ البشري. ولتحقيق هذا، فقد جمع جونسون فريقاً من الخبراء، وذلك لتحديد آليات عمل شيفرتنا العصبونية، وجعلها قابلة للبرمجة في نهاية المطاف.
بناء مستقبل من نوع جديد
هذه التقنية مبنية على عمل الدكتور ثيودور و. بيرجر، وهو بروفسور في الهندسة الطبية الحيوية وعلم الأعصاب، كما أنه مدير مركز الهندسة العصبونية في جامعة ساوث كاليفورنيا.
يشغل بيرجر منصب مدير المكتب العلمي في شركة كيرنيل، وقد بدأ الفريق العمل استناداً على 15 سنة من العمل الأكاديمي الممول من قبل المعهد الوطني للصحة وداربا. وما يؤكد أكثر على أن بيرجر هو الشخص المناسب لهذه المهمة، هو أن أبحاثه أظهرت تحسناً في قدرات التذكر عند الجرذان والقردة.
يحظى جونسون بدعم عدد من الخبراء الآخرين في هذا المجال. مثل ج. كريج فينتر، الذي يحمل شهادة الدكتوراه في الفيزيولوجيا والصيدلة، وهو المؤسس والمدير التنفيذي لشركة هيومان لونجيفيتي. في عام 1992، أنشأ فينتر معهد الأبحاث الجينية وهو جزء من معهد ج. كريج فينتر، حيث قام مع فريقه في عام 1995 بفك الشيفرة الجينية لأول كائن حي مستقل، ويقول إن عمل شركة كيرنيل واعد إلى درجة كبيرة:
بوصفي أحد الرواد في مجال تفسير وتعديل الشيفرة الجينية، وتحقيق البرمجة الإحيائية، من الواضح لي أن فهم الدماغ والشيفرة العصبونية سيأتي تالياً. منذ عشرين سنة، اعتقد الكثيرون أن قراءة الجينوم البشري ستكون مهمة شبه مستحيلة بدون مليارات الدولارات، وجيش ضخم من العلماء الذين سيعملون على مدى عقود من الزمن. أما في الحقيقة فقد تطلب الموضوع تسعة أشهر، و100 مليون دولار، وفريقاً صغيراً من الباحثين. أتوقع حدوث نفس الشيء عندما ننظر بعد 20 سنة من الآن إلى عمل شركة كيرنيل.
على الرغم من أننا لن نتنقل هنا وهناك حاملين عصبونات اصطناعية في رؤوسنا غداً، أو حتى السنة المقبلة، إلا أن المستقبل يبدو مشرقاً.
على الرغم من أننا لن نتنقل هنا وهناك حاملين عصبونات اصطناعية في رؤوسنا غداً، أو حتى السنة المقبلة، إلا أن المستقبل يبدو مشرقاً.
إرسال تعليق